رأيك في المدونات ؟

الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

التعليم الدولي

التعليم الدولي.. وتهديد الهوية

قبل 18 ساعة
مما لا شك فيه أن التعليم هو أحد أهم عوامل الحفاظ على هوية المجتمعات، فمن خلال التعليم يتشرب النشء الثقافة والقيم والأفكار التي تشكل معالم شخصياتهم وتوجه انتماءاتهم.

قبل عقدين من الزمان بدأت المدارس الدولية تظهر في مجتمعاتنا العربية، بدأت ككيان غريب يتلمس طريقه، ثم ما لبست أن انتشرت وجذبت إليها أبناء الطبقة الثرية لما تقدمه من أساليب حديثة في التدريس وخدمات تعليمية وأنشطة يعجز التعليم المحلى عن توفيرها.
لقد خلقت هذه المدارس مشكلة اجتماعية لم نعهدها من قبل، حيث قسمت أبناء الجيل الواحد إلى نسيج غير متجانس، لكل فئة منهم خلفية مختلفة.
سأتحدث تحديدًا عن مصر، لن أتحدث عن تقاعس الدولة عن تطوير التعليم الذي يعد أحد ساقي العدالة الاجتماعية، ولا عن فشلها في توفير مناهج متطورة ومناخ تعليمي قادر على المنافسة، ولكنى أود أن أشير إلى الخطر الداهم الذي يكمن في مناهج التعليم الدولي.

أول هذه المخاطر هو تهميش اللغة العربية، فالأمر لا يقتصر على دراسة جميع المواد بالغة الأجنبية، ولكن أصبحت اللغة العربية مقزمة، مهمشة، لا تحظى بأي اهتمام حيث يكفي الحصول على الحد الأدنى من الدرجات للنجاح فيها. بل وأصبح الضعف في اللغة العربية أحد دواعي فخر البعض مع الأسف.


في كثير من المدارس الدولية يحظر على معلمي اللغات الأجنبية كالفرنسية والألمانية التحدث في الفصل بالغة العربية. وإن كان لا بد من اللجوء إلى لغة أخرى لشرح المادة، فلتكن الإنجليزية، ومخالفة هذه التعليمات يعد جريمة أول من يستنكرها هم التلاميذ أنفسهم.


هذا وبالإضافة إلى الرسائل المباشرة والغير مباشرة التي تتسرب إلى عقول ووجدان التلاميذ من خلال المناهج المختلفة: فعندما تتحول إسرائيل إلى المنتصر في حرب أكتوبر في مادة التاريخ. وعندما تتحول كل المدن التي يتم الاستشهاد بها في الدروس المختلفة إلى نيويورك وبوسطن ولندن وباريس، وعندما تتحول العملات في مسائل الرياضيات إلى الدولار والسنت والبنس، وعندما تتحول الأعياد إلى الكريسماس والهالوين وعيد الشكر، ندرك أننا أمام مشروع لتغريب جيل وتفريغه من هويته وأصله وانتمائه.


لقد خلقت هذه المدارس مشكلة اجتماعية لم نعهدها من قبل، حيث قسمت أبناء الجيل الواحد إلى نسيج غير متجانس، لكل فئة منهم خلفية مختلفة. وأخرجت شبابًا لا يشعر إلا بالغربة في بلده، فانتماؤه الحقيقي هناك في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، وبالتالي يصبح جل حلمه هو السفر والهجرة.


كيف يتثنى لمجتمع بهذا الشكل الغير متجانس، الغير متوحد، الغير مجتمع على فكرة واحدة وعلى هدف واحد أن يعمل على تحقيق ذاته وعلى أن تكون له بصمة تميزه وسط الأمم.


أنا لا ألقى باللوم هنا على أولياء الأمور الذين يبحثون لأولادهم عن تعليم جيد يتسلحون به للحصول على فرص أفضل في الحياة العملية.


ولكن هل ينزلق أولياء الأمور إلى نفس ذلك الفخ؟ هل يستسلمون إلى تيار التغريب الجارف؟ أم يحاولون تعويض أبنائهم بالإرشاد والتوجيه وضبط البوصلة بين الحين والآخر؟

وما زالت الهوة تتسع وتتسع .