رأيك في المدونات ؟

الاثنين، 31 أكتوبر 2016

مدونات الجزيرة


درسان للرئيس الأمريكي القادم

توفير الملاذ لأناس من جميع أرجاء العالم في مكان يخضع جميع الناس فيه لنفس القواعد والأحكام كان من المصادر الرئيسية لقوة أمريكا لمعظم تاريخها.

عندما نظرت من نافذتي للميناء في مدينة ناغازاكي الرائعة في اليابان تبادرت لذهني فكرتان ترتبطان بشكل وثيق بالرئيس الأمريكي القادم.

لقد تحملت ناغازاكي أسوأ شرور البشرية ففي أغسطس من سنة 1945 دمرت قنبلة بلوتونيوم المدينة مسببة أضرارا مادية جسيمة ومعاناة إنسانية لا توصف ولكن منذ ذلك الوقت أصبحت المدينة تمثل أفضل الإنجازات البشرية حيث نهضت من الإنقاض بفضل روح وجرأة اليابانيين واليابانيات والذين تاجروا بالأشياء التي بنوها- على سبيل المثال في أحواض سفن متسوبيشي- مع بقية العالم.
عوضا عن خسارة ثقافتها وتقاليدها تمكنت اليابان من مزج الإثنين معا أي التقدم للإمام بدون نسيان الماضي وهذا التوازن ينعكس في العمارة اليابانية.
لكن ناغازاكي - واليابان بشكل عام- لم تكن دائما مفتوحة للعالم قبل أن تعبر المحيط للتواصل مع جاراتها القريبات مثل الصين وحلفياتها البعيدات مثل الولايات المتحدة الأمريكية فلقرون عديدة كانت العقول اليابانية والحدود اليابانية مغلقة بشكل واضح.

يوجد على أحد تلال ناغازاكي تذكير صارخ بهذه العقلية الراديكالية المنغلقة فهناك نصب تذكاري لإحياء ذكرى استشهاد 26 كاثوليكي والذين تم صلبهم في نهاية القرن السادس عشر كجزء من الجهود للقضاء على نمو المسيحية باليابان. يقوم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي بعمل فيلم عن تلك الإحداث وذلك بناء على رواية شوساكو إيندو "الصمت ".

لقد جاء اعتناق اليابان للحداثة بعد قرون من تلك الإحداث وذلك في أواخر عقد 1860 من خلال إصلاح ميجي الذي استمر لعقود عديدة وعوضا عن خسارة ثقافتها وتقاليدها تمكنت اليابان من مزج الإثنين معا أي التقدم للإمام بدون نسيان الماضي وهذا التوازن ينعكس في العمارة اليابانية وهي مغرقة في الحداثة والتقاليد في آن واحد.
إذن ما علاقة ذلك كله بالانتخابات الأمريكية؟ أولا، الولايات المتحدة الأمريكية مثل بعض أجزاء أوروبا تعيش في خطر الدخول في نفس الفترة من العقول والحدود المغلقة وبينما من المرجح أن تهزم هيلاري كلينتون الأكثر اعتدالا دونالد ترامب الانعزالي بشكل متهور، إلا أن ردة الفعل الرجعية ضد الانفتاح والتي ساهمت في صعود ترامب لن تتبخر لوحدها.

بالطبع يتوجب على الرئيسة كلينتون مع صناع السياسة الآخرين التركيز على الدور القيادي الذي لعبه التنوع في الدفع بأمريكا نحو النجاح فتوفير الملاذ لأناس من جميع أرجاء العالم في مكان يخضع جميع الناس فيه لنفس القواعد والأحكام كان من المصادر الرئيسية لقوة أمريكا لمعظم تاريخها حيث تتجلى هذه الفكرة في ختم البلاد: (واحد من بين الكل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق